¬__________
(¬1) وفقا لمنهج الشورى الإسلامية فإن الجهة الموكول إليها تداول السياسات العامة للدولة بما فيها تعيين الخليفة وعزله : هي أهل الحل والعقد ، وهم أصحاب النفوذ العلمي والاقتصادي والعسكري من ذوي الرأي والخبرة ، وهؤلاء كانوا يوجدون في القديم وفق قوانين اجتماعية تلقائية ترقيهم بين ذويهم حتى يكونوا أصحاب الكلمة بين الناس ، وكان للمسلمين الأوائل نظام انتخابي يقوم على أساس اجتماع أصحاب النفوذ من العلماء والاقتصاديين والعسكريين وزعماء العشائر والقبائل من ذوي الرأي والخبرة ، فكان هؤلاء يشكلون مجلس الحل والعقد الذي يوازي البرلمان في الديمقراطيات الغربية ، وكان أهل الحل والعقد يأخذون بمشورة أفراد عشائرهم وقبائلهم عن طريق العرفاء ( جمع عريف بوزن عظيم ) وهو القائم بأمر طائفة من الناس .
ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن ، فقال : ( إني لا أدري من أذن فيكم ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ) فرجع الناس ، فكلمهم عرفاؤهم ، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أن الناس قد طيبوا وأذنوا .
وقد ظن بعض شراح الحديث أن العرفاء هم من يعينهم الإمام لمشاركته في رعاية شئون الناس ، وهذا ليس بسديد ، فلم يعهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عين العرفاء والأمراء على القبائل ولا الخلفاء من بعده حتى عندما اعتمد عمر بن الخطاب طريقة الديوان في تسجيل أسماء المواطنين . وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الأنصار قائلا : ( قوموا إلى سيدكم ) يعني سعد بن معاذ ، وإنما تسود سعد بين الأنصار بوجاهته ورأيه وكثرة أتباعه .
والصحيح أن زعماء القبائل كان يتم انتخابهم بطريقة ذاتية في القبيلة نفسها ولم يكن الحكام يتدخلون في ذلك .
وإنما ذكرنا ما سبق لأمرين :
الأول : لبيان أن العرب كان لديها نظام سياسي في إدارة شئون الدولة ، وكان متطورا بالدرجة الفائقة مقارنة بغيرهم من الأمم في تلك العصور .
الثاني : لقد جاء الإسلام وزاد النظام السياسي تطورا ، وأرسى مبادئ عامة وأصول قطعية لسياسة الشرعية ، وسكت عن كثير من التفاصيل ، فصارت محل اجتهاد العلماء . فما اعتمده المسلمون من كيفيات في الانتخاب أو إدارة شئون الدولة فيجب أولا : أن يخضع لتلك المبادئ العامة والأصول القطعية ، وثانيا ألا يتعارض مع المصالح الشرعية العامة للأمة .
ومما سبق نعلم أن الشورى كانت تتصاعد من الأفراد العاديين في الأمة عن طريق عرفائهم وزعمائهم ثم يتداول هؤلاء الزعماء والعرفاء الذين يشكلون ( أهل الحل والعقد ) أمور الدولة آخذين في الاعتبار آراء عشائرهم وقبائلهم وذويهم .
وهذا النظام على بساطته من أكثر النظم الإدارية تطورا في العصر الحديث ، حيث يتولد القرار من القاعدة إلى القمة ، وهو عين ما يسمونه المشاركة في اتخاذ القرار .
ولكن الشورى الإسلامية تجعل لها إطارا يمنع سيطرة العبية الجاهلية ( وهو ما يسمى في العصر الحديث بالشللية ) أو تغليب المصالح الشخصية لفئات معينة ( سيطرة اللوبي ) أو تدخل العناصر غير المؤهلة لتداول مصالح الأمة العامة مثل السفهاء والفساق أو مقدوحي العدالة على وجه العموم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق