وصار القرآن نفسه يحاكم إلى منطق أرسطو وأفلاطون ، وشغل المسلمون دهورا بالنزاع بين الإشراقيين والرواقيين ، وكان الجاهل بعلوم تلك الحضارات الوافدة معدودا فيمن لا يوثق بعلمه أصلا وإن كان إماما من أئمة الدين .
وكل ذلك حينما انعكس الدور الأصيل الذي كانت تقوم به الفتوحات الإسلامية ألا وهو غزو العقول والقلوب بإيصال معاني هذا الدين المتين .
وقد فطن الاستعمار ( وإن شئت فقل : الاستخراب ) لدور الترجمة في توطين الثقافة الغازية ، فأسس بجوار الترسانات العسكرية الجرارة هيئات علمية راقية المستوى كانت مهمتها مساعدة الزحف العسكري عبر استعراض ثقافة المستعمر بلغة الدولة المغزوة ، وعندما ظهر الفرق جليا بين تخلف الدول المغزوة وإمكانيات الدول الاستعمارية في المجال الاقتصادي والعسكري وفي المجالات المدنية المتنوعة تقبلت الناس هزيمتهم باقتناع وراحت نفسية الهزيمة تتغلغل في جذور الضمير حتى مسخت الأفئدة ووجدنا من أفراد الأمة الإسلامية من ينادي بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية ومن يطلب الكفران بكل ما منتم إلى الإسلام .
تلك الهيئات العلمية هي المحافل الاستشراقية التي كانت تلعب دورا لا يقل خطورة عن الدور التنصيري الذي صاحب الاستعمار في مراحله المختلفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق